لا عجب اذا كان الفرنسيون يعتبرون جادة الشانزليزيه اجمل شارع في العالم لان هذه الجادة الرائعة التي تمتد من ساحة كونكورد (وتعني التعاضد) المطلة على حدائق متحف اللوفر الى قاب قوس النصر اي على امتداد آلاف الامتار فريدة من نوعها في العالم.
ولا يأتي ذلك فقط لكونها واسعة جدا، ولا لكونها تحفل بتاريخ غني بالاحداث اذ سار عليها ملوك واباطرة فرنسا والزعيم النازي أدولف هتلر الذي احتل باريس والجنرال شارل ديجول الذي حررها بل لانها وقبل كل شيء تعتبر ملتقى السائحين من كل اقطار العالم. هذه الجادة التي سكن فيها الرئيس الامريكي توماس جيفرسون حين كان سفيرا لبلده في العاصمة الفرنسية تظل محط انظار مشاهير العالم من سياسيين وادباء وفنانين يؤمونها في كل مرة يزورون فيها باريس.
حين تسير في تلك الجادة الواسعة الرحبة والجميلة تسمع كل لغات الارض ينطقها بشر من جميع الاجناس فالمكان مميز بوجه خاص ولا مثيل له، والجادة من دون شك واحدة من أحلى واجهات باريس العديدة والمتمايزة التي يزورها الناس في جميع الفصول وتغمرها الحياة ليلا ونهارا.
ولا تعد فيها المحلات المتنوعة بالاضافة الى المقاهي الكبيرة، وبعضها مشهور دوليا، والمطاعم ودور العرض السينمائية والمسارح والمصارف ومكاتب شركات الطيران ومعارض بيع السيارات الفاخرة. وفي الجادة مثلا اكبر محلين لبيع الاسطوانات واشرطة الفيديو ومحل اعرق العطور الفرنسية واكبر محل للعطور في العاصمة.
أما بيوت الأزياء الكبرى فاختارت الجادات والشوارع القريبة والمتاخمة للشانزليزيه مكانا لها، والجادة محل المظاهرات الرسمية والشعبية بالدرجة الاولى ففيها يقام العرض العسكري السنوي تخليدا لذكرى سقوط سجن الباستيل في 14 يوليو/تموز 1892 وفيها تنتهي كل عام جميع المظاهرات الرياضية الكبرى. وفيها أيضا يلتقي الفرنسيون للاحتفالات الشعبية.
وكان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران يفضل بين الحين والآخر الانتقال من حدائق الاليزيه (القصر الجمهوري) الهادئة الواقعة في ادنى الشانزليزيه للتنزه في هذه الجادة الجميلة بين المارة والسائحين هامسا لمرافقيه بانه يشعر في هذه الجادة “بحرارة الناس فيها ومتعة النزهة وصخب الحياة”. ومع استقبالها العام الجاري عمدت بلدية باريس الى انهاء الاشغال في الجادة والتي بدأتها منذ سنتين بهدف تنظيم مواقف السيارات وتحسين أرصفتها وصيانة طرقاتها. وباتت اليوم الشانزليزيه في ابهى حلة لها اذ اصبحت تتضمن كل ما يحتاجه السائح فيها ومن اية طبقة اجتماعية كان. كما تلبي شوارع وأزقة الجادة رغبات جميع مرتاديها وبلغاتهم، إذ يعمد أصحاب المحال والمقاهي الى تشغيل من يجيدون اللغات المختلفة وبالذات الانجليزية والعربية واليابانية وغيرها. ورأت جادة الشانزليزيه النور عام 1616 حين أنشأت الملكة ماري دي مديسيس وهي من اصل ايطالي طريقا واسعا وكبيرا محفوفا بالاشجار بهدف تأمين التنزه للناس وهم في عربات الخيل فيها. وبعد ان أشرف على اعادة تشجيرها الخبير في الحدائق الملكية لونوتر عام 1667 وضاعف من عدد اشجارها على صفين منتظمين ومتواصلين من كل جهة اتخذت اسم الشانزليزيه عام 1709.
