الملف الكامل لمدينة... حلب...

مدينة سورية تقع بين خطي طول 36 و39 شرقا وخطي العرض 35و37 شمالا. وهي مدينة قديمة جدا قيل في تسميتها (حلب الشهباء) إن خليل الله إبراهيم كان يحلب بقرة شهباء على التل الذي أقيمت عليه قلعة حلب عند مروره من بلاد ما بين النهرين إلى كنعان فكان أهل القرية يقولون إن إبراهيم حلب الشهباء.

نبذة تاريخية

أنشئت حلب في برية قفراء خالية من الأشجار، إلا أنها كانت بلدة تجارية راجت فيها التجارة إلى أقصى درجة حتى صار أهلها على جانب عظيم من الغنى والثروة. وكانت مركز حكومة رومانية تمتد حتى الفرات. ولما رفرفت أعلام المسلمين في سورية وتمكن الإسلام في فلسطين أمر الخليفة عمر بن الخطاب وهو في بيت المقدس أن يكون يزيد ابن أبي سفيان أميرا على فلسطين والثغور وأبو عبيدة بن الجراح في سورية الشمالية من حوران حتى حلب، وحرضه على فتح المدائن التي لم تكن قد خضعت لهم بعد. فسار أبو عبيدة وأتى قنسرين فخرج إليه أهلها مستسلمين فقبلهم بعد أن تعهدوا أن يدفعوا الجزية، ثم سار إلى حلب وكانت ذات قلعة وأسوار وحصون منيعة لا يعادلها غيرها في الشام وكان القيصر الروماني قد أقام فيها حاكما يتولاها مع ملحقاتها. وفي أثناء ذلك مات الحاكم تاركا ولدين اختلفا بشأن تسليم المدينة أحدهما جنح للسلم والآخر للحرب. ولما شاعت أخبار قرب الفاتحين من حلب خاف التجار من القتال وتعطيل تجارتهم وخرابهم، فاجتمعوا واستقر رأيهم على أن يسلموا المدينة للفاتحين فيعاملوهم بالحلم والشفقة، فبعثوا وفدا منهم لمقابلة أبي عبيدة وليعقدوا معه شروط تسليم المدينة. ولكن خرج أحد ابني الحاكم مع بعض من رجاله للقاء المسلمين دون أن يعلم بأمر التجار. وقاتل مقدمة الجيش فكسرها وعند انفصال القتال علم بما كان من التجار فانسحب من المعركة ودخل المدينة وأخذ يقتل من أهلها ناسبا إياهم إلى الخيانة، فعلم أخوه بذلك وأقبل يرجوه العفو عن الناس فوبخه وقال له لعلك أنت سبب الخيانة وضربه فقطع رأسه. واشتد الهرج وجاء المسلمون فكسروه وقتلوا من جيشه الكثيرين فدخل القلعة وكانت محصنة تحصينا جيدا وتقع خارج المدينة وتم دخول المسلمين إلى حلب دون قلعتها. وعقد أبو عبيدة وخالد بن الوليد مشورة لحصارها ثم حاصروها حصارا شديدا وأقاموا على ذلك خمسة شهور لم ينالوا منها، فكتب أبو عبيدة إلى الخليفة يستأذنه بالانسحاب عن الحصار، فأجابه أن يقيم عليها ولا يبرحها حتى يفتحها لئلا يستخف به العدو، وبعث إليه مددا من الرجالة والفرسان. وبعد أن أقاموا زمانا ثار من بينهم عبد يقال له دامس وكان من فحول الرجال وطلب أن يصحب بثلاثين من نخبة الأبطال وسار فتوصل بحيلة إلى القلعة وقتل بعض الحراس وكانوا سكارى وفتح الأبواب فدخلها المسلمون عام 14هـ / 636 م.
ولقد نالت حلب استقرارا نسبيا خلال فترة الأمويين حيث شيد فيها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك المسجد الكبير، ثم وقعت بعد ذلك في منطقة الصراع بين العباسيين من جهة والطولونيين من جهة أخرى فكانت تخضع لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى.
ولقد ظلت على ذلك الحال حتى حكم بني حمدان الشام، وأعلن سيف الدولة الحمداني حلب عاصمة ملكية لدولة بني حمدان الذين كانوا يوالون الدولة العباسية. وبعد وفاته تولى حكم حلب ابنه أبو المعالي شريف فأصلح أحوالها وزاد عمارتها ثم وصل الملك في حلب لسعد الدولة بن حمدان. وبوفاته عام 285هـ / 898 م نصب كبير دولته لؤلؤ ابنه أبا الفضائل بن حمدان ثم ثار لؤلؤ عليه وأخذ البلد منه ومحا الدعوة العباسية وخطب للحاكم العلوي عزيز مصر. ثم غزاها البيزنطيون في القرن العاشر الميلادي وأعملوا فيها الخراب وخلصها منهم الفاطميون والسلاجقة، ثم غزاها الصليبيون وجعلوا من المناطق المحيطة بحلب خرابا، وسدوا منافذ الطرق التجارية الموصلة إليها، إلا أن الزنكيين (الذين ينتسبون إلى عماد الدين زنكي) استطاعوا أن يردوا الصليبيين على أعقابهم، وشهدت المدينة في ذلك العهد نموا اقتصاديا وعمرانيا كبيرا.
وطوال حكم الزنكيين لم تهنأ حلب بهدنة فقد كانت عرضة لهجمات الصليبيين. وكان النصر بينهما سجالا ولم ينل الصليبيون من حلب غرضهم في احتلالها مع أنهم أتوها وحاصروها. ولكن فيضان النهر أتاهم بغتة فأضر بمعسكرهم ضررا بليغا فانسحبوا عنها إلى أنطاكية ولم تزل حلب عرضة للزلازل تتعاقب عليها مرة بعد أخرى فإنه في عام 533هـ / 1139 م حدثت زلزلة هائلة فيها أعقبتها زلزلة أخرى عام 565هـ / 1170 م فهدمتها، ثم أعيد ترميمها. ثم تولاها السلطان صلاح الدين الأيوبي وأدخلها في دولته، ثم انتقلت لدولة المماليك بانتقال سورية إليهم فأصبحت تحت لوائهم عاصمة الولاية ال سورية واستمرت كذلك إلى أن دهمها التتار بقيادة تيمورلنك. فهرب المسلمون نحو المدينة وازدحموا في الأبواب ومات منهم خلق عظيم والعدو وراءهم يقتل ويأسر وأخذ تيمورلنك حلب عنوة بالسيف وصعد نواب المملكة وخواص الناس إلى القلعة وكان أهل حلب قد جعلوا غالب أموالهم فيها. فأعطى الأمان لأهلها ثم غدر بهم وأخذ كل ما في القلعة من الأموال والأمتعة مما لا يحصى. ثم أنزل العقاب والعذاب بسكانها وقتل وأسر منهم عددا غير قليل وهدم وحرق ونبش جوامعهم ومدارسهم وبيوتهم. ثم عادت حلب إلى العمران مع الأعلام العثمانية يتقدمها السلطان الغوري صاحب مصر، حيث قاتل التتار وأخذ حلب وغيرها عام 923هـ / 1517 م. وجعلت الدولة العثمانية حلب من ولاياتها على أنها لم تكن منفصلة عن سورية بل منضمة إليها وكانت الدولة ترسل إليها النواب والعمال كما ترسل لسائر المدن والثغور فأخذت المدينة تزدهر وتتقدم من جديد ولا سيما أنها كانت مركزا هاما للتجارة ومفتاحا لدخول آسيا حيث وافاها كثيرون من الإفرنج.
وفي عام 1013هـ / 1605 م ثار علي باشا على الدولة في زمان السلطان أحمد الأول وسار إلى بعض مدائن سورية فأخذها حتى بلغ دمشق وأخذها. ثم استرجع السلطان أحمد المدن السورية بتدبير محمد باشا الصدر الأعظم عام 1015هـ / 1607 م. ثم قامت حرب مهولة دامت ثلاثة أيام بالقرب من حلب ولم يظهر النصر لأي الفريقين حتى شاعت الأخبار بقدوم والي الشام ووالي طرابلس فخاف علي باشا وأذعن للدولة العلية وسار إلى الأستانة العلية فاستقبله الوزير وأكرمه وسمح له أن يعود إلى سورية.
واستقر حال حلب حتى عام 1068هـ / 1658 م فجرى في نواحيها حركة من إبراهيم باشا أحد المدعين للخلافة العثمانية وجرى بين جنود الدولة وذلك الثائر حرب مهولة أفضت إلى أسر المدعي إبراهيم باشا.
وفي عام 1145هـ / 1733 م أصيبت حلب بزلزلة مهولة دمرت أكثر بيوتها وقتل كثير من أهلها. ولقد استمر حكم العثمانيين نحو أربعة قرون تخللها احتلال إبراهيم باشا لحلب ( 1246- 1256هـ / 1831 -1840م). وانتهى حكم العثمانيين مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وفرض الانتداب الفرنسي على سورية ومنها حلب، وظل السوريون يقاومون هذا الانتداب حتى تم في عام 1365هـ / 1946 م جلاء القوات الفرنسية والإنجليزية وانتهى الانتداب بعد معارك طاحنة.

تتمة

المعالم الحضارية

تميزت حلب على مر العصور بنواحي حضارية متعددة ظهرت بشكل واضح في الآثار الباقية والمرافق الخدمية.
الأسوار: يمثل سور حلب أهم هذه الآثار. فقد أحيطت المدينة القديمة بأسوار وأبراج تعود إلى العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية، وتقوم أسوارها الحالية فوق أنقاض أسوار أقدم منها. وكان يضرب بهذه الأسوار المثل في الحصانة والمنعة. والسور القديم كان يحيط بالمدينة على شكل مربع طول ضلعه 1500م، وقد جدده سيف الدولة ونور الدين زنكي. كما شهد عدة توسعات في عهد الملك الظاهر غازي من جهة الشرق والجنوب. وقد جرى هدم جزء منه نتيجة توسع المدينة كما تم الكشف منذ بضعة أعوام عن جزء من السور القديم قرب موقع باب الفرج من جهة شارع الخندق، بالإضافة إلى برجه الدائري الذي كان يسمى برج الثعابين. وكان سور المدينة يحتوي على عدد من الأبواب التي اندثر بعضها مثل باب المقام وقد جرى هدمه في الثلاثينات من هذا القرن. أما الأبواب الباقية المحافظة على رونقها بصورة تامة فهي: باب قنسرين ويعد أجمل أبواب حلب وقد جدده الملك المؤيد شيخ في عام 818هـ / 1415 م، ويمثل قلعة دفاعية مصغرة فريدة. وباب أنطاكية وهو من أقدم أبواب حلب والباب الرئيسي للمدينة، ومنه كان ينطلق الشارع الكبير ويمتاز بأبراجه التي خرج منه سكان حلب للترحيب بالفاتحين المسلمين. وباب الحديد ويتألف من بابين يعلوهما برج حصين وقد اشتهر باسم باب القناية لمرور قناة حيلان منه وجدده السلطان قانصوه الغوري ولا يزال بابه المصفح ذو المسامير الحديدية الغليظة ماثلا إلى أيامنا. وباب النصر ويقع في السور الشمالي وله أبراج دفاعية جانبية جدده الملك الظاهر غازي سنة 610هـ / 1214 م. وباب المقام ولا تزال قنطرته باقية ويماثل باب المدثر في طراز بنائه.

المدخل الرئيسي لقلعة حلب
ومن الآثار الباقية في المدينة أيضا قلعة حلب وهي من أكبر وأغنى المعالم التاريخية في تلك المدينة، وربما أكبر قلعة في العالم، ولم يكن بمقدرة أي فاتح في التاريخ أن يحتلها حربا، وإن دخلها بعضهم حيلة وخدعة. ولقد دلت الحفريات على أن أصول القلعة تعود إلى نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، فقد اكتشفت معابد يعود تاريخها إلى الآراميين، وقد تحول المعبد إلى أكروبول ثم إلى قلعة أيام الزحف ا لروماني، ثم دخلت حلب في الإسلام مع الفتح الإسلامي، وامتنعت القلعة وعجز المسلمون عن فتحها حتى تم اقتحامها عن طريق الحيلة.
وبعد أن فتحها أبو عبيدة بن الجراح قام بإصلاح أسوارها الخارجية. ثم أعيد ترميمها أيام سيف الدولة الحمداني، وكان أول من سكنها. وفي الدولة الأيوبية قام الملك الظاهر بتوسيع تل القلعة الذي يحمل أسوارها فكسا سفوح التل بالبلاط ودمج فيه حوالي 8000 عمود بشكل أفقي كي تدعم البلاط دون انزلاقه وبنى فوق الباب قاعة كبيرة وحوضا للمياه.
وفي عهد المرادسيين تم إصلاح بعض جدران أسوارها وبنوا أبراجها الخارجية مع بعض القصور التي كانت تحمل اسم "بيت الذهب"و"بيت الأعمدة"و"بيت المجد"و"بيت الملك رضوان" وكانت تزدان بنقوش رائعة ومحاطة بحدائق غناء وقد عمل نور الدين حول القلعة بستانا جميلا دعاه الميدان الأخضر.
ولما دخل هولاكو حلب واحتل القلعة عام 658هـ / 1260 م خرب أسوارها وأحرق الجامعين فيها وخرب أيضا معظم بيوتها وأعاد خليل بن قلاوون بناء كل ما تهدم فيها ولكن عاد تيمورلنك عام 803هـ / 1401 م فدمر ما استطاع تدميره منها. ثم جاء الأمير سيف الدين شبقال وقام بإجراء بعض الإصلاحات فيها، وبنى القصر الموجود إلى يمين القلعة والذي لا تزال بقاياه البديعة تدل على ما كان عليه روعة وفخامة.
وفي عهد الدول المملوكية جاء السلطان قايتباي وبنى القصر الموجود فوق باب القلعة كمسكن له، وسكنه ومن بعده من المماليك. ويعود آخر أثر فيها وهو البرج القائم من الجنوب في مواجهة دار الحكومة "السرايا الجديدة" إلى يسار باب القلعة إلى السلطان قانصوه الغوري.
وبعد أن لعبت القلعة دور مركز عسكري أيام الانتداب الفرنسي تسلمتها مديرية الآثار التي أجرت إصلاحات هامة فيها ولا سيما سقف قصر قايتباي وهي الآن إحدى المزارات الشهيرة في حلب فيزورها آلاف الزوار سنويا من شتى بقاع الأرض . أما البناء الموجود حاليا فقد بناه غازي بن صلاح الدين الأيوبي.

المسجد الأموي بحلب
المساجد: يمثل المسجد الأموي أشهر الآثار الباقية في حلب. وهو أكثر مساجد المدينة بهاء بني في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك وتقوم قاعة الصلاة على عضادات ضخمة وليس على شكل أعمدة شأن الجامع الأموي بدمشق وتحمل منارته المربعة الشكل والشبيهة بمنارة جامع معرة النعمان كتابات كوفية مورقة وتم بناؤها في القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي ويمتاز المسجد بمنبره المصنوع من خشب الأبنوس والمطعم بالعاج وهو مماثل لمنبر المسجد الأقصى الذي أحرقه اليهود وصحن المسجد فسيح مبلط بديع جيد النحت كما أنه مصقول.
كما يوجد أيضا عدد آخر من الجوامع الهامة منها: جامع الأطروش ويقع قرب القلعة ويتميز بواجهته المزخرفة الجميلة وبمئذنته السامقة ويعتبر في غاية الروعة من لما تميز به من الفن الزخرفي والنقش على الحجارة. وهناك جامع المهمندار ويتصف بمنارته الفريدة ذات الطراز اللولبي وتعد من أجمل مآذن حلب وتعود للقرن 14م. وكذلك جامع الخاقان أو القيقان ويقع في حي العقبة قرب باب أنطاكية ويجمل جداره كتابة هيروغليفية وجصية ويقع فوق تل العقبة
الحمامات

أحد الحمامات بحلب
انتشرت في حلب العديد من الحمامات التي تمثل الآن نموذجا من المرافق السياحية. ومن أشهر هذه الحمامات حمام "يلبغا الناصري"، وهو من أجمل حمامات حلب جميعا ، ويقع أمام البرج الجنوبي لقلعة حلب، ويرجع بناؤه إلى أوائل حكم المماليك في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، ولا يعرف اسم بانيه الأصلي. وعندما تولى حكم حلب الأمير المملوكي سيف الدولة يلبغا الناصري قام بترميم الحمام ووضع اسمه عليه، وبعد هجوم تيمور لنك على حلب هدم الحمام وأهمله وكان يستخدم في بداية هذا القرن كمكان لإعداد اللباد، لذلك سماه أهالي حلب حمام اللبادين، وكان للحمام ثلاثة سراديب توصله بالقلعة والمدينة. ويتألف حمام "يلبغا الناصري" من ثلاثة أقسام: الخارجي وتعلوه قبة عالية جميلة بزخارف جدارية بديعة مع بركة ماء وأماكن لنزع الثياب مع تجاويف حائطية للقباقيب والأحذية، أما القسم الأوسط فيحوي عددا من الخلوات وعقود القباب والقمريات، وأما القسم الداخلي وهو أكثر أقسام الحمام حرارة ففي وسطه قبة واسعة مثمنة الأضلاع ويوجد فيها قمريات متناسقة

تتمة

الأسواق: تعد أسواق حلب من أجمل الأسواق القديمة في العالم، فهي ذات طابع خاص وهندسة خاصة، والعديد من أسواق حلب تشبه أسواقا في كل من دمشق وإستانبول و القاهرة ، ولكن ليس هناك سوق في تلك الدول يتميز بما تتميز به أسواق حلب، فهي أسواق مستقيمة ومتوازية ومتعامدة ومتناظرة، والسوق الرئيسي فيها يمتد من قلعة حلب وسط المدينة شرقا إلى باب أنطاكية غربا بطول كيلو متر واحد تقريبا، ومن هذا السوق تتفرع أسواق أخرى متقابلة ومتعامدة معه لتصب في أسواق أخرى متوازية للسوق الرئيسي، وكل هذه الأسواق مسقوفة بسقف حجري مقبب له فتحات من أعلاه على نسق واحد تسمح بالتهوية والإنارة. ومعظم هذه الأسواق لها أبواب كبيرة تقفل عند المساء وتحرس ليلا. ويباع في هذه الأسواق كل حاجات الإنسان، الغالية منها والرخيصة، ولكل صنف من تلك المواد سوق خاص به، فهناك مثلا سوق للعطارة وآخر للأقمشة والأصواف والأقطان، ثم سوق للأحذية وسوق كبير للصاغة وبيع الذهب .

أما الخانات والقيصريات فهي أبنية شيدت لأغراض التجارة والصناعة والإقامة معا أي أنها كانت بمنزلة الفنادق في ذلك الزمان، والخانات تتألف من طبقة أرضية وهي سوق تجارية وصناعية وفيها إصطبلات لخيول المسافرين، وطبقة علوية تضم غرفا للتجارة ولإقامة المسافرين والتجار، وللخان باب كبير يغلقه "الأوضباشي" أي الحارس عند غياب الشمس ، وفيه باب صغير يسمى خوخة لا يفتحه الحارس إلا عند الضرورة. وغالبا ما تكون الأسواق لبيع المفرق والخانات لبيع الجملة، وقد سكنت هذه الخانات طوال قرون عدة عائلات أوربية كانت تستوطن حلب، وكان لكل جالية خان خاص بها توجد فيه قنصلية دولتها، أما أشهر خانات حلب فهو خان القاضي والبنادقة ويرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر الميلادي، ثم خان القصابين وخاير بك ثم خان الوزير، وكان من أجمل خانات حلب، وسكنه الرهبان الأوربيون، وخان الجمرك وهو من أكبر خانات حلب، حيث تبلغ مساحته نحو نصف هكتار، وكان فيه (52) مخزنا أرضيا و (77) غرفة في الطابق الأول بالإضافة إلى الجامع وأسبلة مياه وخدمات عامة أخرى. ومن أشهر هذه الخانات خان الشونة والذي أصبح الآن سوق المهن اليدوية، ويعود تاريخه إلى عهد الوالي العثماني خسرو باشا منذ نحو 450 سنة، وهو يقع جنوب باب القلعة، وقد بني هذا السوق عام 947هـ / 1541 م وتولى بناءه المعماري العثماني الشهير سنان باشا، ويعد الأثر الوحيد لهذا المعماري المبدع في المنطقة.
وفي عام 1236هـ / 1821 م تعرضت مدينة حلب لزلزال مدمر تسبب في أضرار كبيرة للمدينة والسوق مما أدى إلى إغلاقه، وبقي كذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي عندما حوله القنصل الإيطالي في حلب (لآل ركوبلي) إلى مستودعات للحبوب والغلال، وأطلق عليه اسم خان الشونة - والتشوين لغة تعني التخزين.
ولقد ارتبط اسم حلب بشجرة الفستق التي تعد حلب موطنها الأصلي، وقد ذكرت شجرة الفستق الحلبي في العديد من الكتب التاريخية، ومن حلب انتشرت زراعة الفستق، ثم انتقلت إلى المناطق التي تقع إلى الشرق منها حتى بلاد التركستان ومناطق البحر المتوسط ثم دخلت إلى أمريكا حديثا، وتعتبر منطقة حلب من المناطق الشهيرة بزراعة تلك الشجرة بصورة خاصة على الهضاب الكلسية التي تحيط بالمدينة حيث ما زالت توجد أشجار عمرها مئات السنين. ومن المعروف أن حلب تتميز عن سائر محافظات سورية في كونها منبتا أصيلا لأشجار الكرز والزيتون، وشجرة الزيتون المباركة تكثر زراعتها في المناطق الواقعة غربي المدينة، وتمتاز بتحملها لقساوة الطبيعة إضافة إلى طول عمرها.
وتمتاز حلب بصناعتها التقليدية العريقة، والمتنوعة التي اعتبرت قمة الصناعة السورية، فهي تحتل مركز الصدارة في هذا المجال. حيث يتمركز نحو 40% من الصناعة السورية في مدينة حلب كما ونوعا. أما أهم الصناعات فيها فتنحصر في مصانع الغزل والنسيج وصناعة المراجل البخارية والمشعات والتدفئة المركزية وصناعة الأدوية والصناعات الخشبية والزجاجية والجلدية، ونشر كتل الرخام والحجر.
وحلب معروفة بحجرها المشهور، وهي المدينة الوحيدة في سورية التي تبني بالحجر، وقد نبغ الحلبيون في صقل ونشر الأحجار كما اكتسب العامل الحلبي الخبرة الفنية في هذا المجال، وكذلك نبغ الحلبيون في صناعة النسيج، فهناك أنواع من النسيج الفاخر ارتبط اسمه بالمدينة، بالإضافة إلى صناعة البطاطين أو ما يطلق عليه السوريون بالحرامات وأخيرا صناعة صابون الغاز

تتمة

المكانة العلمية

تميزت حلب بالعديد من المدارس والمكتبات وفي الغالب كانت المكتبة توجد داخل المدرسة ومن أهم وأشهر المدارس في حلب المدرسة النورية حيث كان في حلب كاتدرائية عظيمة تم الحفاظ عليها طبقا لتعهدات المسلمين للنصارى إلا أنه في سنة 517هـ / 1123 م حول ابن الخشاب التغلبي هذه الكاتدرائية إلى مسجد. وفي سنة 543ه ـ / 1146 م قام نور الدين زنكي بتحويل المسجد إلى مدرسة عرفت باسمه وجعل في هذه المدرسة مكتبة حسنة ما تزال المدرسة والمكان قائمين حتى اليوم وتعرف بالمدرسة الحلوية، وقد وقف على هذه المدرسة العديد من مجموعات الكتب.
وكانت هناك المدرسة الشرفية التي تنسب إلى الشيخ شرف الدين عبد الرحمن العجمي. وقد جعل فيها مكتبة عظيمة جمع فيها كتبا في جميع أنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ولغة ونحو وأدب وتاريخ. ولقد كانت المدرسة مخصصة للفقه الشافعي وكان فهرس المكتبة عبارة عن لفافة من الورق ضاعت عند دخول التتار سنة 658هـ / 1259 م. كما كانت هناك المدرسة الظاهرية التي أسسها الملك الظاهر غازي الأيوبي وقد خصصها للفقه كما أوقف عليها مكتبة حسنة. وكانت هناك مكتبة أنشأها سيف الدولة الحمداني تسمى بــ (خزانة الكتب).
وفي عام 1255هـ / 1839 م أسس إسماعيل بك حكمدار (رئيس الشرطة) حلب في أيام الحكم المصري مدرسة الإسماعيلية وخصص لها الأموال وجعل فيها مكتبة كما أضيفت مدرسة في الوقت نفسه لجامع القرناصية.
وقد تأخر افتتاح أول مدرسة عثمانية حتى عام 1270هـ / 1854 م حينما تأسس المكتب الرشدي وتشكلت أول دائرة للمعارف في حلب عام 1323هـ / 1882 م في الطرف الشمالي من ساحة باب الفرج. وقد بلغ عدد مدارس حلب عام 1299هـ / 1882 م (42) مدرسة منها (35) مدرسة للذكور و(7) مدارس للإناث.
وبعد الاستقلال بدأت الحكومة في الاهتمام بالتعليم وخطت نحو ذلك خطوات كبيرة وقد انفردت حلب بمشروع القرش أو ضريبة المدارس التي كانت تستوفى على أيدي جباة البلدية فأصبحت حلب تحتوي على مدارس ابتدائية وثانوية نموذجية من حيث اتساعها وتوفر الشروط الصحية فيها وجمال بنائها وبهذا أصبحت حلب ثاني مدينة ثقافية في سورية فضلا عن كونها العاصمة الاقتصادية ومركز إشعاع ونهضة يمتد نفوذه على كل الشمال السوري.
ولقد اشتهر من حلب علماء في العربية والشريعة والتاريخ من أشهرهم: أبو القاسم الزجاجي من علماء النحو والعربية وكان قد تلقى العلم في بغداد ثم أقام مدة بحلب ثم رحل إلى دمشق وأكب على التصنيف والإملاء على الطلاب. وعمر بن أحمد بن هبة الله ابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المؤرخ المحدث. وعلي بن يوسف بن إبراهيم القفطي المؤرخ وهو من مواليد قري الصعيد في مصر ثم سكن حلب وكان وزيرا في أيام الملك العزيز.

تحياتي